“فايننشال تايمز”: كيف تعلمت روسيا العيش بدون واردات؟

0
33

أجرت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية تحقيقاً موسعاً حول اقتصاد روسيا في زمن الحرب.. وكيف لم ينهار بالسرعة التي توقعها الغرب في ظل عقوبات عزلتها عن العالم وسلاسل الإمداد للصناعة وصيانة المعدات وحتى أبسط الأمور، وفيما يبدو الأمر مفاجئاً إلا أنه باختصار صورة من صور “التكيف” مع المعطيات وشق جيوب خفية لضمان استمرار الحياة والبقاء.

وقبل الغوص في التفاصيل، أعدّ لنفسك كوباً من مشروب ساخن فقد انخفضت درجات الحرارة وقد ينتقل البرد إلى خيالك مع ذكر “روسيا” والتي غطّت الثلوج ربوعها بكثافة خلال الأيام الماضية.

تعّقب تحقيق “فايننشال تايمز” الذي اطلعت عليه “العربية.نت”، مجموعة من الأشخاص الروس المتخصصين في التهريب، والذين استثمروا العقوبات في جني أرباح طائلة من نشاط كان مجرماً من قبل في روسيا، لكنه أصبح أحد سبل النجاة لاقتصاد يعاني وطأة العقوبات على سلاسل إمداد.

فبعد ظهر أحد أيام أغسطس، توقفت سيارة أجرة أمام فندق في إسطنبول تصطحب مجموعة من الرجال يتحدثون الروسية. أخرجوا 5 حقائب سفر من السيارة.

كانت الصناديق مليئة بمعدات اشتروها من النمسا. وفيما لم تكن البضائع فريدة بشكل خاص، والتي شملت الإلكترونيات الاحترافية، للاستخدام في المدارس – لكنها صنعت بواسطة علامة تجارية غربية قررت مقاطعة روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا.

قال أحد الأشخاص الروس يدعى ستانيسلاف، والذي تسلم الحقائب في فندق في “إسطنبول”: “تبدوا البضائع كما لو كانت للاستخدام الشخصي فقط. . . كما لو أنني اشتريت كل شيء لنفسي”.

وأضاف ستانيسلاف، والذي لم يرغب في كشف هويته بسبب الطبيعة غير القانونية للنشاط: “بالطبع، كانت مهربة، سهلة وبسيطة”.

ولكن هذا ليس كل شيء. فقد كانت هذه شحنة غير عادية لستانيسلاف، والمتخصص عادةً في استخدام الشاحنات لتهريب المواد الأكبر والأكثر حساسية من أوروبا والتي تخضع لعقوبات على روسيا، مثل المواد الخاصة بقطاع البناء والأجزاء والآلات للصناعات الثقيلة.

لم تنهار روسيا بالسرعة التي توقعها الغرب

ويعد ستانيسلاف هو واحد من عدد متزايد ممن يُطلق عليهم المتخصصون في الاستيراد والتصدير الروس – خبراء في اكتشاف الثغرات وإدخال البضائع عبر الجمارك – الذين ظهروا رداً على العقوبات الغربية المفروضة على البلاد.

وكشفت المقابلات مع المشاركين في هذه السوق السرية عن تجارة مربحة، ولكن تحمل مخاطر كبيرة وغير مستقرة إلى حد كبير، والتي سيكافح الاقتصاد الروسي المحاصر من أجل الاعتماد عليها.

يأتي ذلك، بعد أن تركت العقوبات الغربية العديد من الشركات تتدافع للحصول على منتجات وقطع غيار ذات علامات تجارية أجنبية مهمة.

عندما تم فرض أشد العقوبات في مارس، توقع بعض الاقتصاديين حدوث انهيار سريع في الاقتصاد الروسي، ربما بنسبة تصل إلى 30%. لكن هذا لم يحدث: استمرت عائدات النفط والغاز في التدفق وسرعان ما تعافت العملة.

وبدلاً من ذلك، فإن ما يظهر هو شيء مختلف – ليس تدهوراً دراماتيكياً، ولكن تدهوراً ثابتاً لقدرتها الإنتاجية، وهو ما يجادل الاقتصاديون في كل من روسيا والغرب بأنه يدفع بالبلاد إلى الوراء لعقود.

مبنى الكرملين

وتقريباً تكافح معظم القطاعات الروسية من نقص الإمدادات؛ حيث تعاني الشركات الزراعية للحصول على إطارات للجرارات، في حين أن شركات الطيران غير قادرة على تأمين مكونات أجنبية لإصلاح طائراتها، وحتى صناعة الدواجن بات لا يمكنها استيراد البيض المخصب أو الكتاكيت من هولندا.

وتُظهر البيانات من الشركاء التجاريين لروسيا أن الواردات الروسية انخفضت بنسبة 20-25% منذ بداية الحرب – وهي ضربة لبلد راسخ لعقود في الاقتصاد العالمي.

من جانبها قالت الخبيرة الاقتصادية في معهد التمويل الدولي، إلينا ريباكوفا: “إذا نظرت إلى الأدوية، والإنتاج الكيميائي، وبناء الآلات، والمعادن، والتعدين، فمن الصعب العثور على صناعة في روسيا لا تعتمد على الواردات لما لا يقل عن 50% من المدخلات”.

اقرأ المزيد.. الكرملين: بوتين سيحدد رد روسيا على وضع سقف لسعر النفط خلال أيام

وبالتالي، سيضطر المستهلكون إلى إعادة التكيف مع خيارات محدودة للسلع وجودة أقل للمنتجات التي يمكن أن تعيد للأذهان الحرمان الذي حدث في أواخر الحقبة السوفيتية.

وتوقعت ريباكوفا، أن يستمر الأمر على هذا النحو لمدة 15-20 سنة، ما لم يموت (الرئيس فلاديمير بوتين). في الأساس لن يتغير شيء”.

وحالياً، يعتمد مستقبل روسيا الاقتصادي طويل الأجل على ما إذا كانت موسكو ستكون قادرة على إنتاج بدائل محلية بسرعة للسلع الأجنبية التي لم يعد بإمكانها الوصول إليها، أو الحصول على نظائرها من دول “صديقة” مثل الصين.

بالنسبة لـ ستانيسلاف، خلقت القيود الجديدة أرض الفرص. في الماضي، كان المستوردون الرسميون يشحنون البضائع الأجنبية إلى روسيا، ولم يكن هناك سوى القليل من الطرق لدخول لاعب جديد. كما أن محاولة استيراد العلامات التجارية بشكل غير قانوني لم تكن مفيدة أيضاً، حيث كان هناك طلب ضئيل.

وقال ستانيسلاف: “كان بإمكاني وضع البضائع في علبة آلات موسيقية وإحضارها، لكن لم يكن أحد ليشتريها، لأنني لم أكن لأعرض على المشتري ضماناً رسمياً، أو خدمات ما بعد البيع”.

وأضاف: “حالياً أي شيء مطلوب ويمكن بيعه”.

اقرأ المزيد.. بوتين: أخفقت الرهانات على انهيار اقتصاد روسيا بسبب العقوبات

في الغالب، يشتري ستانيسلاف سلعاً من خلال “شركات واجهة” – وهي شركات تعمل في السر في مجالات أخرى غير ما تعلنه أو تبدو، وعادة تستخدمها أجهزة الاستخبارات الدولية لإخفاء طبيعة غرضها – ثم يتم إرسال المنتجات في شاحنات من الاتحاد الأوروبي إلى إحدى دول الاتحاد السوفيتي السابق التي تشترك في اتحاد جمركي مع روسيا، مثل كازاخستان وأرمينيا.

وقال مواطن روسي آخر مقيم في أوروبا يعمل في الاستيراد والتصدير: “أي علامة تجارية غادرت روسيا، بغض النظر عن ماهيتها – المكانس الكهربائية والملابس والكحول – يتم استيرادها على أي حال”.

على الجانب الأخر، صنفت روسيا بيانات عن وارداتها بعد وقت قصير من بدء الحرب، لكن الاقتصاديين يقومون ببناء صورة باستخدام معلومات حول الصادرات إلى روسيا من شركائها التجاريين الرئيسيين. ويُظهر هذا انخفاضاً حاداً في الربيع، مباشرة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، تلاه بعض الانتعاش في الخريف.

ووفقاً لأبحاث “البنك المركزي الأوروبي”، فقد تراجعت الصادرات من “الولايات المتحدة” إلى “روسيا” بنسبة 85% في مايو مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، ويتوقع “البنك الدولي”، و”صندوق النقد الدولي”، ومؤسسات أخرى انخفاض الواردات الروسية هذا العام بأكمله بمقدار الربع عن العام السابق.

وخلال الفترة من يونيو إلى أغسطس من هذا العام، بلغت الواردات الروسية 4.5 مليار دولار شهرياً، وهذا أقل مما كانت عليه في عام 2021، وفقاً لمعهد “كيل للاقتصاد العالمي”.

3 دول تمثل طوق النجاة

نظراً لنقص قطع الغيار المستوردة، كان إنتاج السيارات أحد أكثر القطاعات تضرراً، حيث انخفض الإنتاج بنسبة 80% تقريباً في سبتمبر مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، وفقاً لخدمة الإحصاءات الحكومية الروسية “Rosstat”. ودفع الركود المسؤولين إلى تخفيف بعض متطلبات السلامة خلال فصل الصيف فيما يتعلق بالفرامل المانعة للانزلاق ووسائد الأمان.

كما باع العديد من صانعي السيارات الغربيين وبائعيها أعمالهم الروسية بحيث لم يتبق سوى 14 شركة تصنيع سيارات في السوق مملوكة للمشترين الروس، وفقاً لتحليل صناعي نُشر في ديسمبر. وكانت جميعها علامات تجارية صينية باستثناء 3 علامات تجارية محلية، بما في ذلك شركة السيارات التي تعود للحقبة السوفياتية “لادا”.

من جانبه، قال ملياردير مقرب من الكرملين إن الربح المحتمل من السلع المهربة مرتفع للغاية، متوقعاً أن حتى السلع الكمالية ستواصل طريقها إلى البلاد دائماً، بغض النظر عن العقوبات. وأشار إلى أنه اشترى خلال الصيف سيارتين من طراز “مايباخ” بدلاً من “مرسيدس” التي يريدها لكنه لم يستطع الحصول عليها. وكان الهدف من شراء 2 بدلاً من واحدة، هو أنه إذا تعطلت الأولى، فيمكنه استخدام الثانية كقطع غيار.

وتوقع أن تكون الأمور صعبة لمدة سنتين، أو 3، أو حتى 4 سنوات. بعد ذلك سوف نتأقلم”. وأشار إلى نموذج إيران وكيف توصلوا إلى تأمين سلاسل التوريد الخاصة بهم.

تأخر الانهيار

وحتى الآن، تجنب الاقتصاد الروسي أسوأ التوقعات. إذ يقدّر الاقتصاديون انخفاضاً في الناتج المحلي الإجمالي بما يتراوح بين 3.5 و5.5% هذا العام.

ويرجع ذلك جزئياً إلى أن عائدات التصدير ظلت قوية، وتبحث روسيا بشكل متزايد عن مشترين بديلين لنفطها.

وعلى سبيل المثال، كان هناك ارتفاع في الصادرات إلى روسيا من بين البلدان التي من خلالها تقوم بعض الشركات بتغيير مسار التجارة. إذ ارتفعت الصادرات إلى روسيا من قبل دول مثل تركيا وكازاخستان. في حين بات الاتحاد الأوروبي يصدر بضائع أقل بنسبة 43% إلى روسيا خلال الفترة من يونيو إلى أغسطس، ويقابلها زيادة في صادرات الصين بنسبة 23% أكثر، وفقاً لمعهد “كيل”.

ولكن في حين لم يكن هناك تفكك للاقتصاد، يعتقد المحللون أن النمو طويل الأجل سوف يتراجع إلى حد كبير، حيث إن القيود المفروضة على الواردات تقضي على إمكانية التحديث التكنولوجي. وقالوا، إن الصناعات المحلية التي ينتهي بها الأمر لتحل محل الورادات غالباً ما تكون غير فعالة، كما أن تدفق الواردات من السوق السوداء متقلبة.

بدوره، قال الخبير الاقتصادي جاكوب نيل، عضو مجموعة عمل خبراء بشأن العقوبات يديرها سفير الولايات المتحدة السابق في روسيا مايكل ماكفول وأندري يرماك، رئيس ديوان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. “من الصعب جداً بناء سلاسل التوريد عندما يكون لديك هذه الأنواع من العقوبات الشاملة”.

وأضاف نيل: “حتى لو تمكنت من سرقة المخططات، فمن الصعب جداً تكرار إنتاج هذه الأشياء – بطريقة اقتصادية ومستدامة تجارياً، دون دعم”.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، اقترح الاتحاد الأوروبي جعل التهرب من العقوبات جريمة جنائية وهو ما أثر بشكل فوري على واردات روسيا، إذ قال “ستانيسلاف”، إن إحدى شحناته في جمارك كازاخستان تم إيقافها.

وقال: “تم العثور على ثغرة، وبعد ذلك، بفضل الاتصالات ورشوة صغيرة، وجدنا طريقة لنقل الأشياء”. مع ذلك، “تزداد صعوبة الأمر يوماً بعد يوم”.

الروبل الروسي

في جميع المجالات، تبحث المؤسسات والوكالات الحكومية عن طرق للرد على انهيار الواردات.

وعيّن “بوتين” في يوليو، وزير التجارة، دينيس مانتوروف في منصب حكومي رفيع المستوى بتفويض لاستعادة سلاسل التوريد. وتعهد “مانتوروف” بدعم “السيادة التكنولوجية” لروسيا وجعل استبدال الواردات “مسألة تتعلق بالأمن القومي”.

وعلى الرغم من أن “مانتوروف” أصرّ لاحقاً على أن هذا لا يعني “التخلي تماماً عن مبادئ اقتصاد السوق”، إلا أن الدافع إلى تعزيز الإنتاج المحلي سيؤدي حتما إلى تدخل أكثر تشدداً من جانب الدولة يحد من المنافسة.

وجد مسح أجراه البنك المركزي للشركات الروسية في أبريل أن ثلثيها يعانون من تعطل سلاسل التوريد. ولكن بحلول الصيف، انخفض هذا الرقم إلى 50%.

وعلّقت المحللة من معهد التمويل الدولي، ريباكوفا: “لذلك بالنسبة للشركات التي تبحث عن موردين بديلين، هناك تحسن هامشي”. “لكن على الصعيد الاخر . . . هذه أرقام مجمعة. إنهم لا يكشفون عن نقاط الاختناق”.

القائمة الحرجة

وفي مجمع جديد تحت الأرض يُعرف باسم “القبو” بجوار فندق “Ukraina”، في موسكو، يجتمع مجلس الوزراء الروسي بانتظام لمناقشة العروض التقديمية التي توضح الآفاق الاقتصادية السيئة للبلاد على شاشة هائلة بزاوية 180 درجة.

سرد، أحد هذه العروض التقديمية، الذي أعده بنك رئيسي مملوك للدولة بعض هذه المجالات الحيوية، اعتباراً من أغسطس.

وفي 5 أعمدة، جمعت القطاعات حسب درجة المخاطرة، وآخرها ملون باللون الأحمر ومسمى “حرجة للغاية” – تشمل الصناعات المدرجة في هذه الفئة صناعة الطائرات والأدوية والتكنولوجيا الطبية وإنتاج الرقائق الدقيقة ومعدات تكنولوجيا المعلومات عالية المستوى وتكنولوجيا بناء المركبات الفضائية.

وقال رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين في نوفمبر في وقت كانت هناك تقارير متعددة في وسائل الإعلام المحلية حول كيف كانت شركات الطيران تكافح من أجل الحصول على قطع الغيار: “احتفظنا بطائراتنا ونوسع نطاق إطلاق التكنولوجيا المحلية.”

إحدى الطرق التي تدخلت بها الحكومة الروسية لدعم المستوردين، وخاصة السلع التكنولوجية الاستهلاكية، كانت من خلال إضفاء الشرعية على ما تسميه “الواردات الموازية”.

وجعل التشريع الجديد أنه من القانوني تمرير قائمة طويلة من السلع ذات العلامات التجارية الغربية عبر الجمارك إلى روسيا دون موافقة العلامة التجارية نفسها. وفي السابق، كان يُنظر إلى هذا على أنه قرصنة، لكنه أصبح الآن تجارة شبه رسمية لـ “ستانيسلاف”.

وقدّرت الحكومة أنه تم استيراد ما قيمته 20 مليار دولار من البضائع إلى روسيا بهذه الطريقة هذا العام، بما في ذلك هواتف آيفون 14 الجديدة، والذي تم إصداره في سبتمبر ولم يتم بيعه رسمياً في السوق الروسية.

افتتح كيريل، وهو متخصص آخر في الواردات في موسكو، شركة استيراد رمادية تركز على الأثاث والتجهيزات بعد وقت قصير من بدء الحرب. وقال إن أحد أكثر المخططات شيوعاً للاستيراد الموازي هو العمل مع شركة في كازاخستان، على سبيل المثال، لديها علاقة قائمة مع علامة تجارية غربية.

ثم تضع هذه الشركة طلباتها المعتادة، ولكن بكميات أكبر بكثير. ويدفع الشريك الروسي بهدوء لاستيراد الفائض إلى روسيا، وهو أمر يسهل القيام به بمجرد أن تصبح البضائع بأمان في كازاخستان، نظراً لعدم وجود حدود جمركية لها.

لكن طريق السوق الرمادية أقل فاعلية بالنسبة للواردات التي يصعب الوصول إليها، وخاصة الرقائق الدقيقة والخوادم، وفقاً لمسؤول تنفيذي في شركة تكنولوجيا روسية.

وقال المسؤول التنفيذي: “للأسف لا يمكن تحويله إلى عمل كبير الحجم، كما أن البنوك تحتاج أيضاً إلى خوادم، وستدفع أكثر من المشترين الأصغر، ما سيرفع تكلفتها ويجعلها عملية غير مستدامة”.

كما أصبح المنتجون أكثر حذراً بشأن الحجم المتزايد لطلبات الرقائق الدقيقة في أرمينيا وكازاخستان، والتي أصبحت موطناً لمجتمعات كبيرة من المتخصصين الروس في مجال تكنولوجيا المعلومات منذ الحرب، ولكنها أيضاً مراكز للواردات الموازية المعفاة من الجمارك التي يتم طلبها من خلال “شركات الواجهة”.

وأوقفت بعض الشركات الأميركية الشحن إلى أرمينيا. إذ لاحظت ارتفاع حجم الطلب من 100 ضعف العام السابق.

بدوره، حذر مسؤول تنفيذي كبير في شركة تكنولوجيا روسية كبرى من التأثير طويل المدى لنقص الرقائق الدقيقة.

أكبر خسائر روسيا

وقال المسؤول التنفيذي إنه إذا استمرت العقوبات من سنتين إلى أربع سنوات، فإن دفع ضعف السعر مقابل أكثر الرقائق تطوراً سيستحق كل هذا العناء. ولكن، إذا استمرت لفترة أطول، فإنه يعتقد أن روسيا ستضطر إلى التحول إلى رقائق صينية رديئة.

وأضاف أن توسيع قدرة إنتاج المعالجات الدقيقة لروسيا لكي تصل إلى مستوى الصين – والتي تكافح الآن في ظل قيود التصدير الأميركية – من المرجح أن تكلف 50 مليار دولار سنوياً لمدة 10 سنوات، ولن تكون مضمونة للعمل.

لمتابعة إجراءات الامتثال المعقدة المطلوبة لإثبات أن العملاء لا يتجنبون العقوبات، فإن بعض الشركات المصنعة تطلب من عملائها إثبات تواجدهم فعلياً في روسيا أثناء تقديم الطلب. إذ تطلب منهم إجراء محادثات بالفيديو عبر “زووم” ومشاركة الموقع للتأكد من أنهم في أرمينيا على سبيل المثال، ولديهم أشخاص يعملون في مكتب الشركة.

وحتى المنظمات الحكومية الروسية تتجه إلى الواردات الموازية نتيجة للعقوبات. وقال ستانيسلاف إنه تم الاتصال به من قبل غرفتين تجاريتين إقليميتين روسيتين مختلفتين، إحداهما تقع في سيبيريا والأخرى في وسط روسيا، وتطلب منه المساعدة في الحصول على السلع الأجنبية الخاضعة للعقوبات أو الحظر.

اصنعه بنفسك

بعد فترة وجيزة من تقديم حزم العقوبات الأولى، جمع رئيس مصنع آلات الطاقة في تشيبوكساري، غريغوري بولوتين، فريقه معاً حول ورقة بيضاء كبيرة وبدأ الرسم.

ورسم خريطة ضخمة لأعماله – مصنع ضخم على ضفاف نهر الفولغا، شرق موسكو، ينتج الرافعات الشوكية والجرارات والآليات الثقيلة الأخرى – وتتبع جميع سلاسل الإمداد التي يعتمد عليها.

وسريعاً ما اكتشف الفريق المناطق التي تعتمد بشكل كبير على الأجزاء الغربية. واتخذ قرار بتعليق خطوط الإنتاج هذه.

في مجالات أخرى، أصبحوا مبدعين. حيث اعتادوا على استيراد الرقائق الدقيقة لتشغيل جراراتهم، ولكنهم قرروا محاولة صنعها. فقد اشتروا الترانزستورات الأساسية وأجزاء الرقائق الأخرى من آسيا، وتعلموا كيفية لحامها بأنفسهم. وقال بولوتين: “اتضح أن الأمر بسيط إلى حد ما، لكنه يؤدي الغرض”.

بالنسبة للمكونات الرئيسية الأخرى، وجدوا بدائل محلية. إذ تم استبدال المحركات اليابانية المستخدمة في الرافعات الشوكية الخاصة بهم ببدائل تم إنتاجها في مينسك، عاصمة روسيا البيضاء حليفة روسيا.

وعلى الرغم من أن منتجات تشيبوكساري كانت تستهدف الطبقة المتوسطة، لكن منذ فرض العقوبات، “انتقلوا إلى الجزء العلوي من السوق”.

وقال بولوتين: “ربما لن نكون قادرين على إنتاج معدات من نفس المستوى التكنولوجي مثل المنتجات التي زودتنا بها الدول الغربية”. لكنه قال في الوقت الحالي، لا يهتم العملاء الروس.

وقد وصف الخبير الاقتصادي برانكو ميلانوفيتش هذه العملية بأنها “استبدال الواردات الانحداري تقنياً”، واستبدل البضائع المستوردة ببدائل محلية متدنية الطراز وقديمة.

في قطاع أخر على سبيل المثال، كانت فنلندا مصدراً رئيسياً للمواد الكيميائية المستخدمة في تبييض الورق إلى روسيا. ولكن بعد توقف شحناتها، كان على العديد من مصانع اللب الروسية أن تتعلم الاستغناء عنها أو بدأت في إنتاج كيماويات التبييض بأنفسها.

ولكن إحدى نتائج عدم استخدام المواد الكيميائية أو استخدام مواد كيميائية منخفضة الجودة هي أن بعض الورق المستخدم في المكاتب الروسية كان يتحول إلى لون بني مائل إلى الرمادي.

من جانبه، أصّر نائب وزير الصناعة في وقت سابق من هذا العام، على وجود جانب إيجابي، مشيراً إلى النتائج الجديدة التي تظهر أن الأوراق ناصعة البياض تضر بالعين.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here