الملك سلمان له موقف ثابت تاريخي من مصر وأهل مصر مبعثه رؤيته الاستراتيجية الثاقبة التي يتميز بها ويصر عليها في تعاملاته السياسية؛ فقد كان – مثلا – أول من أعاد مصر إلى الصف العربي في بدايات الثمانينيات من القرن المنصرم عندما دعا حينها الرئيس الأسبق «حسني مبارك» إلى معرض الرياض بين الأمس واليوم المقام وقتها في باريس برعاية الملك سلمان – أمير الرياض آنذاك، وكان حينها الرئيس مبارك يقوم بزيارة لفرنسا؛ واعتبر جميع المحللين أن هذه الدعوة كانت إيذانا لعودة الدفء للعلاقات العربية المصرية، بعد أن تم قطعها مع مصر، إثر زيارة السادات لإسرائيل وتوقيعه لمعاهدة السلام في كامب ديفيد. ومعروف أن له – حفظه الله – موقف ثابت من التكاتف العربي و ضرورة ترسيخه وهذه من ثوابته في كل ممارساته السياسية، لأنه يدرك من خلال تاريخة السياسي الطويل، أن تضامن العرب في المنطقة، وتعاونهم، والتنسيق بين سياساتهم ومواقفهم الدولية، من شأنها أن يكون شرط حمايتهم وأمنهم واستقرارهم الأول، خاصة في زمن التكتلات السياسية العالمية التي يشهدها العالم اليوم. والمملكة ومصر هما قطبا العرب الأهم والأقوى، تماسكهما ببعضهما يعني قوة للعرب، والعكس صحيح تماما.
والمنطقة برمتها هي الآن تواجه عدوين خارجيين ذوي أيديولوجيتين، وإن ظهرا متنافرين في الظاهر، إلا أنهما يختلفان معنا اختلاف (وجود وبقاء) وكل له أسبابه، وهما أولا (العدو الفارسي) المتغول، وثانيا (العدو الصهيوني) المتربص؛ الأول يعمل وطموحه موجه للاستيلاء على الحرمين الشريفين، والثاني هو الآن في وضع كمون وترقب، لكنه يسعى إلى أن يكون في النهاية القوة الإقليمية الكبرى التي لا ترقى إليها أية قوة عربية أخرى في المنطقة؛ وإذا لم يدرك العرب بعين في منتهى الحذر أطماع وطموحات هذين العدوين، فمستقبل العرب قاطبة، وليس فقط المملكة ومصر سيكون كارثياً.
ومما أقرأه في مضامين هذه الزيارة الهامة، سواء في الترحيب غير المسبوق لزيارة الملك سلمان في مصر، وكذلك في الوفد الكبير المرافق من المسؤولين الذين كانوا في معيته، إضافة إلى الاتفاقيات التي من المقرر توقيعها بين البلدين، أجزم أن هذه الزيارة ستوثق عرى التعاون والتنسيق بين البلدين علـى كل المستويات، سواء فيمـــا يتعلق بالسياســات الداخليـــة، أو العلاقـــات الخارجية.
مصر تضررت كثيرا من موجة ما يسمى (الربيع العربي) المشؤوم، ومازالت تعاني من تبعاته اقتصاديا، بعد أن استطاعت إلى حد كبير من السيطرة على تداعياته الأمنية؛ والمملكة ومعها دول الخليج يدركون أن معاناة مصر الاقتصادية والأمنية، تنعكس سلبيا بالضرورة على المنطقة برمتها، خاصة على دول الخليج العربي؛ لذلك فليس لدي أدنى شك أن الملك سلمان وفريق العمل الذي رافقه في هذه الزيارة، سيبذلون كل ما في وسعهم من جهود متاحة وممكنة من شأنها الوقوف بجانب مصر في أزماتها الاقتصادية وجفاء الغربيين لها، سيما وقد ثبت للجميع الآن، أن أول من دعم التغيير وهز الاستقرار في منطقتنا هم الغربيون، الذين كانوا يزعمون أنهم (يحافظون) على الأمن والسلام الدوليين، فإذا بهم أول من أدار ظهره للأمن والاستقرار في العالم العربي، فكان موقفهم من الثورات الكارثية في المنطقة، يدور بين موقفين، الموقف الأول (الدعم الكامل)، والموقف الثاني فحواه (لم آمر بها ولم تسؤني)؛ فأدرك العرب أخيرا حكمة من قال: (ما حك جلدك مثل ظفرك). وليس لدي أدنى شك أن المتضررين الأوائل من التعاون بين المملكة ومصر هم مكونات مثلث الشر وأعداء الاستقرار: (الفرس والصهاينة وجماعة الأخوان المتأسلمين) وكل طرف من هؤلاء الثلاثة له أسبابه وبواعثه ومبرراته، وفي المقابل كلما استطاع العرب حصار طموحات هؤلاء الأعداء، انعكس ذلك حتما على أمن الدول العربية واستقرارها؛ و هذه المعادلة ثلاثية العوامل، لم تعد مجرد نظرية، أو وجهة نظر، بل أصبحت حقيقة قطعية، تؤكدها بما لا يدع مجالا للشك، الأحداث الجارية في المنطقة العربية.
وسترون في شتى المجالات انعكاسات إيجابية لهذه الزيارة التاريخية، وما سينتج عنها من أطر تعاون، على المدى القريب وكذلك المتوسط والبعيد.
إلى اللقاء.
*نقلاً عن صحيفة “الجزيرة“